فواصل

التكوين الأكاديمي للصحفي في عصر التحول الرقمي وصحافة الجيل السابع

نحو نموذج شمولي ومؤثر

فواصل..

التكوين الأكاديمي للصحفي في عصر التحول الرقمي وصحافة الجيل السابع: نحو نموذج شمولي ومؤثر

 

■ ورقة تتضمن أهم المحاور التي يمكن دراستها والتوسع فيها (على هامش انعقاد الدورة الأولى للمؤتمر الجامعي في الإعلام والتواصل، فاس 13 ملي 2025).

مقدمة..

في عصر تتسارع فيه التحولات الرقمية والمعرفية، وتُعاد فيه صياغة أدوار الصحفيين في مواجهة تدفقات الأخبار الزائفة، وتحديات التكنولوجيا، وتعقيد القضايا الاجتماعية والسياسية، لم تعد مهنة الصحافة تحتمل الأداء العفوي أو التكوين المحدود. بل أصبحت مهنة تتطلب تكوينا أكاديميا رفيعا يُمكِّن الصحفي من فهم السياقات، وتحليل الوقائع، واقتراح الحلول، والانخراط في بناء رأي عام مستنير.

ومع بروز مفاهيم مثل “الجيل السابع للصحافة”، و”الصحافة الشاملة”، و”صحافة الحلول”، بات من الضروري أن تواكب المناهج الأكاديمية هذا التغير العميق، وتعيد التفكير في طبيعة المهارات والمعارف والقيم التي يجب أن يحملها الصحفي الحديث.

1● ملامح الجيل السابع للصحافة: تحولات جوهرية في المهنة

يشير مصطلح “الجيل السابع للصحافة” إلى مرحلة متقدمة من تطور الممارسة الصحفية، حيث تُدمج فيها أدوات الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والبيانات الضخمة، والتقنيات الغامرة مثل الواقع المعزز والافتراضي.

أبرز خصائص هذا الجيل:

◇ الصحافة المؤتمتة: روبوتات تكتب الأخبار وتحلل البيانات المالية والرياضية.

◇ صحافة البيانات: المعتمدة على استقراء وتحليل قواعد بيانات ضخمة لفهم الظواهر المعقدة.

◇ الصحافة التفاعلية: التي تدمج الجمهور في إنتاج المحتوى.

◇ الصحافة الأخلاقية الرقمية: التي تواجه خطابات الكراهية والأخبار الكاذبة.

◇ صحافة الحلول: التي لا تكتفي بعرض المشاكل بل تستقصي الجهود المبذولة لحلها، وتُسهم في تحسين الفهم الجماعي للقضايا.

2● أهمية التكوين الأكاديمي في إعداد الصحفيين لمواجهة تحديات العصر

يمثل التكوين الأكاديمي حجر الأساس في تشكيل الصحفي القادر على المساهمة البناءة في المجتمع، وعلى الاستجابة لمتطلبات مهنة متطورة ومتعددة الأبعاد.

أ. التكوين المعرفي والمنهجي:

– فهم السياقات السياسية، الاقتصادية، والثقافية.

– تعلم مناهج التحقيق والتحليل والاستقصاء.

– التمكن من مقاربات متعددة مثل تحليل الخطاب، الاتصال السياسي، وسوسيولوجيا الإعلام.

ب. التكوين التقني والرقمي

– تعلم أدوات التحرير المتعدد الوسائط (نص، صوت، صورة، فيديو).

– إتقان البرمجيات الصحفية وأدوات الذكاء الاصطناعي.

– التفاعل مع منصات التواصل والنشر الرقمي.

ج. التكوين القيمي والأخلاقي:

– الالتزام بأخلاقيات المهنة والموضوعية.

– القدرة على مواجهة التحيز الرقمي والمعلومات المضللة.

– تعزيز الحس النقدي والحس الإنساني في التغطية الصحفية.

د. التكوين في صحافة الحلول:

– إدماج مقاربات جديدة تعزز الأمل والفهم المعمق للقضايا.

– تجاوز الصحافة السلبية نحو تحليل المبادرات المجتمعية والسياسات العمومية الناجحة.

– تدريب الصحفي على البحث في جذور المشكلات واقتراح نماذج قابلة للتكرار.

3● عن إمكانية توحيد المناهج التعليمية: نحو مرجعية معرفية مشتركة

رغم اختلاف السياقات، تبرز الحاجة إلى مرجعية بيداغوجية موحدة على مستوى الكفايات الأساسية.

أ. مبررات التوحيد:

– ضمان حد أدنى من المهارات الصحفية المعاصرة.

– تسهيل الانتقال الأكاديمي والمهني بين المؤسسات.

– مواجهة الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب.

ب. خصوصية السياقات:

– مراعاة السياق المحلي واللغوي والثقافي.

– المرونة في إدماج المواد ذات الطابع المحلي (مثل الإعلام البيئي أو الإعلام التنموي).

ج. البديل: مقاربة بالكفاءات

– اعتماد مخرجات تعلم واضحة بدل التلقين.

– التركيز على الأداء المهني والتفكير النقدي، وليس فقط تراكم المعارف النظرية.

– إتاحة مجالات تخصص (صحافة بيئية، صحافة صحية، صحافة حلول…).

4● الصحفي الشمولي: نحو نموذج تكويني جديد

الصحفي الشمولي ليس من يؤدي جميع المهام فقط، بل من يفهم مختلف أبعاد المهنة ويتفاعل معها بشكل تكاملي.

خصائص الصحفي الشمولي:

– متعدد المهارات (Multiskilled): يكتب، يصور، يمنتج، ينشر.

– واسع الثقافة ومتشبع بالقيم الإنسانية.

– قادر على إنتاج محتوى أصيل ومتجدد.

– ملم بمقومات صحافة الحلول كخيار استراتيجي في تقديم المعلومة.

■ كيف نبني هذا النموذج؟

– إدماج مواد متنوعة: تكنولوجيا الإعلام، الفلسفة السياسية، دراسات النوع، قضايا المناخ، الذكاء الاصطناعي، الصحافة التخصصية…

– تفعيل التعلم التشاركي والتطبيقي.

– ربط التكوين بالواقع المهني من خلال شراكات مع مؤسسات إعلامية.

خاتمة:

نحو هندسة بيداغوجية جديدة للصحافة

إن التكوين الأكاديمي اليوم لم يعد ترفا معرفيا، بل ضرورة استراتيجية لبناء صحفيين قادرين على إحداث فرق في مجتمعاتهم.

الصحفي الأكاديمي، الشمولي، المتمكّن من أدوات التكنولوجيا، الملتزم بأخلاقيات المهنة، والمتفاعل مع مقاربة صحافة الحلول، هو ما تحتاجه الصحافة في عالم يزداد تعقيدا وسرعة. وعليه نقدم التوصيات التالية:

– مراجعة مناهج تكوين الصحفيين بالانفتاح أولا على مختلف المعارف الأكاديمية، ثم بإدماج محور صحافة الحلول بشكل صريح.

– بناء إطار مرجعي للكفاءات الأساسية في الإعلام.

– تطوير تكوين الأساتذة الجامعيين في المهارات الرقمية والأدوات الحديثة، والعمل على تكوين أساتذة متخصصين في مختلف مناحي التكوين الإعلامي.

– دعم المشاريع البحثية التي تستقصي أثر الصحافة في التحولات المجتمعية.

– تشجيع صحافة البيانات وصحافة الحلول كمقاربات بيداغوجية مبتكرة داخل الجامعات.

#حسن_اليوسفي_المغاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى