أخبار وتقاريردولي

زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون المرتقبة إلى المغرب وإمكانية تبديد غيوم سماء العلاقات المغربية الفرنسية

أعلن قصر الإليزيه الجمعة 27 شتنبر عن زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب نهاية شهر أكتوبر 2024، في خطوة تهدف إلى تجديد العلاقات الثنائية بين البلدين بعد فترة من التوترات.

وتأتي هذه الزيارة بعد فترة طويلة من الجمود السياسي الذي أثر على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية بين البلدين، مما يعزز أهمية إعادة بناء الثقة وتعميق التعاون الثنائي في المرحلة المقبلة.

ووجه العاهل المغربي الملك محمد السادس الخميس رسالة دعوة إلى الرئيس الفرنسي بهذا الموعد، كما أوضحت الرئاسة الفرنسية.

وشهدت العلاقات بين المغرب وفرنسا توترات كبيرة في السنوات الأخيرة، خاصة منذ عام 2021. ومن بين الأسباب الرئيسية للأزمة قضية الصحراء المغربية حيث ظل دعم فرنسا الضمني للحل الأممي لـ “الصحراء الغربية”، ظل محل تحفظ من المغرب، خاصة مع تغير موقف بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي.

وتأتي قضية التجسس في المرتبة الموالية من تصدع العلاقات، فقد تصاعدت الأزمة حينما تم تداول تقارير عن استخدام برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، حيث زُعم أن المغرب استهدف شخصيات سياسية وإعلامية فرنسية، وهو ما نفاه المغرب بقوة.

ويحضر الموقف الفرنسي الغامض من بعض القضايا الإقليمية كأحد الملفات الحساسة، مثل موقف فرنسا من التطورات في منطقة شمال إفريقيا والساحل، الذي كان مصدر عدم ارتياح لدى المغرب، خاصة مع ما تشهده المنطقة من صراعات وتأثيرات خارجية.

وفي مرتبة أقل أهمية تأتي قضية التأشيرات، حيث فرضت فرنسا قيودًا على منح التأشيرات للمغاربة في إطار سياستها الجديدة لتقييد الهجرة غير الشرعية، مما أدى إلى استياء شعبي بالدرجة الأولى.

زيارة ماكرون وأهدافها السياسية

وفقًا لما صدر عن قصر الإليزيه، تهدف زيارة الرئيس ماكرون إلى “إعادة بناء الثقة وتعميق الشراكة الاستراتيجية”. وفي هذا السياق، من المتوقع أن يناقش الجانبان استئناف الحوار السياسي، إذ تأتي الزيارة في إطار الجهود لتطبيع العلاقات بعد الأزمة، ومن المنتظر أن سيتم بحث سبل إعادة بناء الثقة بين الطرفين خاصة في القضايا الخلافية.

هذا إلى جانب تطوير التعاون الاقتصادي، حيث يُنتظر أن تحمل الزيارة فرصا لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والصناعة، إلى جانب التعاون الأمني والإقليمي، وبالنظر إلى أن المغرب يعد شريكا استراتيجيًا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، ستشمل المناقشات التعاون الأمني في منطقة الساحل وتطورات الأوضاع الإقليمية في شمال إفريقيا.

العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا

تُعتبر فرنسا أحد أكبر الشركاء التجاريين للمغرب، حيث يتميز التبادل التجاري بوضعية معتبرة. وتُعد فرنسا ثاني أكبر شريك تجاري للمغرب بعد إسبانيا.

بلغت قيمة التبادلات التجارية بين البلدين في عام 2022 نحو 12 مليار يورو. وتشمل صادرات المغرب إلى فرنسا منتجات زراعية ومنسوجات، في حين تصدر فرنسا للمغرب سلعا صناعية وتكنولوجية.

يأتي بعد ذلك حجم الاستثمارات الفرنسية داخل المملكة، إذ تعتبر أكبر مستثمر أجنبي في المغرب تساهم فيه شركات فرنسية في مشاريع كبرى في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، البنية التحتية، النقل، والسيارات.

ومع تزايد اهتمام المغرب بتطوير قطاع الطاقة المتجددة، يتوقع أن يتم التباحث حول استثمارات فرنسية في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح.

المشاريع الكبرى في المغرب التي تتولاها فرنسا:

العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا تعد ركيزة أساسية في التعاون الثنائي بين البلدين، وتشمل عدة قطاعات استراتيجية حازت الشركات الفرنسية على ملفاتها كمشاريع مشتركة. تبرز فرنسا كشريك أساسي في عدد من المشاريع الكبرى التي تهدف إلى تحديث البنية التحتية للمغرب وتعزيز النمو الاقتصادي.

وتعتبر مشاريع الطاقة المتجددة من بين أهم تلك المشاريع. المغرب يعتبر رائدا في مجال الطاقة المتجددة في المنطقة، وفرنسا تلعب دورا محوريا في هذا القطاع من خلال محطة نور للطاقة الشمسية في مدينة ورزازات، حيث تعتبر واحدة من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم، وقد شاركت شركات فرنسية مثل Engie وEDF في إنجاز مراحل مختلفة من هذا المشروع. إضافة إلى مشاريع طاقة الرياح إذ تساهم فرنسا في تطوير محطات طاقة الرياح في المغرب. وتُعد شركة EDF Renouvelables لاعبا رئيسيا في مشاريع الطاقة المتجددة المغربية، مثل مزرعة الرياح في منطقة طرفاية.

ويعتبر قطاع النقل والبنية التحتية من المشاريع ذات الأهمية، سيما قطار الحط فائق السرعة (LGV) الذي يعد مشروع القطار فائق السرعة “البراق” أهم منجزاته وأحد أهم المشاريع المشتركة بين المغرب وفرنسا، تولت شركة Alstom الفرنسية توفير قطارات الربط بين طنجة والدار البيضاء، بينما ساهمت عدة شركات فرنسية في تصميم وتشييد البنية التحتية.

ومن المنتظر أيضا طرح مشاريع الموانئ والمطارات التي شاركت شركات فرنسية في تطوير بعض البنى التحتية الهامة فيها بالمغرب، مثل توسعة ميناء طنجة المتوسط، الذي يُعتبر من أكبر الموانئ في إفريقيا.

هذا إلى جانب قطاع السيارات التي تمثل مشاريع تصنيعها في المغرب يحضى بسمعة دولية مرموقة، وأصبح مركزا إقليميا لصناعة السيارات، وشاركت الشركات الفرنسية مثل Renault وPeugeot-Citroën في إنشاء مصانع ضخمة في طنجة والقنيطرة. تُعد هذه المشاريع من أكبر الاستثمارات الفرنسية في المغرب، وتساهم بشكل كبير في خلق فرص العمل وزيادة الصادرات المغربية.

كما أن هناك عدة مجالات أخرى تتموقغ فيها الشركات الفرنسية مثل قطاع الطيران من خلال الشركة الفرنسية Safran وThales ، وقطاع قطاع المياه والبيئة من خلال شركات Suez و Veolia التي لها ها دور كبير في إدارة مشاريع المياه والصرف الصحي في المغرب.

المعطيات الجيوسياسية

من الناحية الجيوسياسية، يُعتبر المغرب لاعبا أساسيا في منطقة شمال إفريقيا، وفرنسا تعتمد على شراكتها معه لتحقيق استقرار المنطقة، خاصة في ظل التطورات الجارية في منطقة الساحل والصحراء إذ يشترك البلدان في مواجهة التهديدات الأمنية في منطقة الساحل، حيث يعتبر المغرب شريكا رئيسيا لفرنسا في مواجهة الجماعات المسلحة.

وتظل منطقة الساحل مصدرا للقلق، مع انتشار الجماعات المسلحة. لذلك، تُعد الزيارة فرصة لتنسيق الجهود المشتركة في هذا المجال.

ويتزامن توقيت زيارة ماكرون مع تطورات إقليمية ودولية، بما في ذلك التنافس مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا، اللتان تحاولان توسيع نفوذهما في المنطقة.

ويُتوقع أن تسفر زيارة الرئيس ماكرون عن خطوات ملموسة لتعزيز العلاقات الثنائية. إذ من المنتظر أن يرميم ماكرون الثقة المفقودة، خاصة في ظل حاجة فرنسا إلى تعزيز شراكاتها الاقتصادية والأمنية في إفريقيا. من جهته، يسعى المغرب إلى شراكة متوازنة تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل.

ملف التأشيرة وتعقيداته بالنسبة للمغاربة

في السنوات الأخيرة، شهد ملف التأشيرة بين المغرب وفرنسا توترات كبيرة، مما زاد من تعقيد العلاقات الثنائية. ويعود هذا الملف إلى عام 2021، حينما قررت فرنسا بشكل مفاجئ تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة، مما أثار استياء واسعا في المغرب على المستويين الرسمي والشعبي.

وتعود أسباب القيود على منح التأشيرات، وفقا للسلطات الفرنسية، إلى رفض المغرب إعادة قبول مواطنيه الذين صدرت بحقهم قرارات ترحيل من فرنسا. استنادا إلى هذه السياسة، فرضت فرنسا قيودا مشابهة على دول شمال إفريقيا الأخرى مثل الجزائر وتونس. الأمر الذي كانت لديه تداعيات على المغاربة تجلت في انخفاض حاد في عدد التأشيرات،ىحيث تم تقليص عددها بنسبة تصل إلى 50%، مما أثر سلبا على السفر بغرض الدراسة، العمل، الزيارات العائلية أو السياحة.

أما على المستوى السياسي، فقد اعتبرت الحكومة المغربية هذه الإجراءات “غير مبررة” و”مجحفة”، حيث أشار المسؤولون المغاربة إلى أن المغرب يتعاون بشكل فعال في مسألة الهجرة غير الشرعية، وأن فرض هذه القيود لا يعكس الشراكة التقليدية بين البلدين.

وفي ظل الانتقادات المتزايدة من الجانب المغربي، تشير بعض المصادر الدبلوماسية إلى أن الرئيس ماكرون قد يعيد النظر في سياسة التأشيرات خلال زيارته المرتقبة إلى المغرب. وتشير التقارير إلى أن مناقشة ملف التأشيرات سيكون على رأس أولويات الاجتماعات بين الجانبين، حيث يأمل المغرب في عودة الأمور إلى نصابها وإلغاء القيود الحالية.

ومن المتوقع أن يطالب المغرب برفع القيود على منح التأشيرات لمواطنيه، خاصة أن هذا الملف يخلق حالة من الاستياء الشعبي ويعكر صفو العلاقات الثنائية. قد يتجه الطرفان إلى إيجاد صيغة توافقية لمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية بشكل يرضي الطرفين، مع تحسين شروط التعاون الدبلوماسي.

ملف التأشيرة يظل محوريا في أي مسعى لإعادة بناء العلاقات بين الرباط وباريس، وسيكون اختبارا حقيقيا لقدرة البلدين على تجاوز التوترات وتعزيز الشراكة الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى