فواصل

فرنسا والجزائر.. من حرب الذاكرة إلى حرب التصريحات

بالعربي من باريس |

حسن اليوسفي المغاري

فرنسا والجزائر.. من حرب الذاكرة إلى حرب التصريحات

تعيش العلاقات الفرنسية الجزائرية مرحلة جديدة من التوتر الحاد، بعد التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو على أمواج إذاعة RTL، الخميس 17 أبريل 2025، والتي حملت نبرة تصعيدية غير مسبوقة تجاه الجزائر، متوعدا باستخدام أدوات ضغط دبلوماسية واقتصادية بسبب ما وصفه برفض الجزائر استعادة “مواطنيها المطرودين من فرنسا”. هذه التصريحات لم تأتِ في فراغ، بل ضمن سياق علاقة معقدة يتشابك فيها التاريخ بالسياسة، والهجرة بالأمن، والذاكرة بالمصالح.

  • روتايو يشعل فتيل أزمة جديدة

في حوار مع إذاعة RTL الفرنسية، قال الوزير الفرنسي بلهجة صارمة: “لدينا العديد من الأدوات، مثل التأشيرات والاتفاقات، التي يمكننا استخدامها للضغط على الجزائر”. وأردف: “فرنسا أمة عظيمة. إنها ليست مجرد مسألة دبلوماسية، بل تتعلق أيضا بكرامة الشعب الفرنسي الذي لم يعد يرغب في أن تهيننا الجزائر”.

هذه العبارات، التي استُخدم فيها خطاب الهوية والكرامة الوطنية، تعكس توجها جديدا في السياسة الفرنسية تجاه الجزائر، حيث لم يعد الملف يُعالج بمرونة دبلوماسية، بل بمنطق “الردع” السياسي، في ظل تنامي الخطاب اليميني وارتفاع منسوب الشعبوية في الداخل الفرنسي.

  • الهجرة.. من ورقة انتخابية إلى أداة دبلوماسية

تصريحات روتايو تكشف مجددا كيف أصبحت قضية الهجرة والمهاجرين الجزائريين المقيمين بفرنسا – خاصة أولئك الذين تصدر بحقهم أوامر طرد – نقطة خلاف مزمنة.

باريس تتهم الجزائر برفض تسلم مواطنيها المطرودين، وتلوّح من حين لآخر بورقة التأشيرات كتدبير عقابي، كما فعلت عام 2021.

وشدد الوزير على أن “المواطنين الجزائريين الخطرين لا مكان لهم في فرنسا”، داعيا إلى ترحيلهم الفوري نحو بلدهم الأم، وهي لهجة تتقاطع مع حملات متكررة لربط المهاجرين بالأمن القومي الفرنسي، وتستثمر فيها بعض الأطراف لأغراض سياسية وانتخابية.

  • من خطاب التقارب إلى سياسات الردع

اللافت أن هذه التصريحات تأتي في وقت لم تهدأ فيه بعد تداعيات التوترات السابقة، ما يعكس تحولا في مقاربة باريس للعلاقة مع الجزائر: من سياسة “التقارب الهادئ” التي انتهجها ماكرون في بداية ولايته، إلى “سياسات الردع والضغط”، مدفوعة بتحديات داخلية متشابكة (أمن، هوية، هجرة).

  • رد الجزائر المرتقب: الصمت التكتيكي أم التصعيد المقابل؟

حتى كتابة هذا التقرير، لم يصدر عن الجزائر أي ردّ رسمي على تصريحات روتايو، لكن التجارب السابقة توحي بأن الرد قد يأتي في شكل تصعيد دبلوماسي (مثل استدعاء السفير أو تعليق التعاون في ملفات معينة)، أو صمت محسوب يُبقي هامش المناورة مفتوحا.

  • أزمة مزمنة أم لحظة انفجار؟

إن تصريحات وزير الداخلية الفرنسي لا تعكس فقط موقفا فرديا، بل توجُّها سياسيا جديدا في تعاطي باريس مع الجزائر. وهي تفتح الباب مجددا لجدل واسع حول موقع الجزائر في السياسة الفرنسية، وطبيعة العلاقة بين “المستعمِر السابق” و”البلد المستقل” منذ أكثر من 60 عاما.

ففي ظل هذا المشهد، يبدو أن العلاقات الفرنسية الجزائرية لا تمر فقط بأزمة دبلوماسية عابرة، بل تعيش مخاضا أعمق، سيما إذا أخذنا في الاعتبار التقارب السياسي الأخير، المغربي الفرنسي، والاعتراف الرسمي الفرنسي بأن الحلّ الأنجع لقضية الصحراء لا يمكن أن يكون إلا في إطار الحكم الذاتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى