ما تبقى من شعب غزة يموت جوعا على مرأى ومسمع المنتظم الدولي المتواطئ!

بالعربي من باريس |
حسن اليوسفي المغاري
أمام استمرار الحصار.. ما تبقى من شعب غزة يموت جوعا على مرأى ومسمع المنتظم الدولي المتواطئ!
■ أيها العالم المنافق، أيها المنتظم الدولي المتواطئ، أيها العرب المتخاذلون… غزة تموت وأنتم صامتون!
لأكثر من 18 شهرا، والدم الفلسطيني يُراق، وأمعاء الأطفال تُمزقها المجاعة، ومدنٌ كاملة تُسوّى بالأرض، ولا تحرّك الأمم “المتحضرة” ساكنا، ولا تهتز ذرة ضمير في قلوب صُنّاع القرار.
لقد تواطأتم جميعا: بالحصار، بالقصف، بالصمت، وبالخذلان… أنتم الذين أنزلتم الموت على غزة، وأنتم من جعل من الجوع سلاح إبادة إضافيا.
■ لن يغفر التاريخ، ولن تنسى غزة
منذ أكثر من ثمانية عشر شهرا، تُذبح غزة تحت سمع العالم وبصره، في مشهد وقح من الإبادة الجماعية المنظمة. كل صاروخ يسقط، كل طفل يتضوّر جوعا، كل أنقاض تحتها جثث الشهداء، تصرخ في وجه الإنسانية الكاذبة: أنتم جميعا شركاء في هذه المجازر!
بينما يتفنن الاحتلال الإسرائيلي في إبادة الفلسطينيين، يقف المجتمع الدولي موقف الشريك الصامت، متواطئا بالصمت، ومرتكبا بالجُبن. أما الأنظمة العربية، فغارقة في عار التطبيع، تاركة غزة تُباد وتجوع، وكأنها عبء ثقيل تخلّصت منه خلسة.
العالم لا يشهد جريمة جديدة؛ بل يشارك في إبادة العصر، جريمة تُرتكب يوميا على المباشر، وعلى جثث شعبٍ أعزل يُحاصر بالموت والجوع والنفاق، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع ما شهدته البوسنة والهرسك والمذبحة الجماعية لسيبرينتشا سنة 1995.
■ أرقام تقشعر لها الأبدان
حسب وزارة الصحة في غزة، تجاوز عدد الشهداء منذ أكتوبر 2023 وإلى غاية منتصف شهر أبريل الحالي،51 ألف شهيد، أكثر من 70% منهم من النساء والأطفال، بينما أصيب أكثر من 77 ألف شخص، العديد منهم بإعاقات دائمة، في ظل انهيار كامل للمنظومة الصحية. وقد وثّقت منظمات حقوقية كـ”هيومن رايتس ووتش” و”أطباء بلا حدود” استهدافا ممنهجا للمرافق الطبية، بما فيها المستشفيات ومخازن الأدوية.
أما عن الكارثة الغذائية، فقد أكدت “الأونروا” أن أكثر من 1.1 مليون شخص – أي ما يعادل نصف سكان القطاع – يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الخامسة)، أي مرحلة المجاعة. وقد حذّرت منظمة الأغذية والزراعة FAO من أن القطاع يواجه واحدة من أسرع حالات الانزلاق نحو المجاعة التي شهدها العالم في العصر الحديث.
■ المعابر مغلقة.. والضمير الدولي مُغيّب
رغم تصاعد النداءات الإنسانية، تواصل إسرائيل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم لفترات طويلة، مما تسبب في منع دخول المساعدات الغذائية والطبية، كما منع الجرحى من تلقي العلاج بالخارج. وتتهم منظمات الإغاثة الجيش الإسرائيلي باستخدام المساعدات كسلاح حرب، عبر التحكم الكامل في كمياتها وتوقيتها ومسارات توزيعها.
في المقابل، يكتفي مجلس الأمن ببيانات التنديد الخجولة، ويواصل فشلا ذريعا في تمرير قرار ملزم بوقف إطلاق النار، بفعل الفيتو الأمريكي المتكرر (4 فيتوهات خلال سنة 2024 سأعود للموضوع لاحقا)، وسط تواطؤ غربي بات مفضوحا في دعم آلة الحرب الإسرائيلية.
■ التواطؤ العربي: صمت مريب وشراكة غير مباشرة
رغم ما تفرضه المواثيق الدولية والعربية من التزامات تجاه نصرة الشعب الفلسطيني، اختارت معظم الأنظمة العربية الوقوف موقف المتفرج. فالمعابر المصرية ما تزال مغلقة في وجه الغزيين، والمساعدات الإنسانية متوقفة، في وقت تطبّع فيه بعض العواصم علاقاتها مع تل أبيب، وتستقبل مسؤوليها في زيارات رسمية علنية، وبعضها يسمح بمرور سفن على متنها قطع غيار وعتاد للجيش الإسرائيلي..
كما فشلت جامعة الدول العربية في عقد قمة طارئة ذات مخرجات ملموسة، مكتفية بإصدار بيانات إنشائية لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما تعاني غزة من انقطاع شبه كلي للكهرباء والماء، وانهيار البنية التحتية.
■ الضمير العالمي في اختبار تاريخي
ما يجري في غزة اليوم ليس فقط كارثة إنسانية، بل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية موثّقة بالأرقام والصور والشهادات. صمت المنتظم الدولي يعكس فشلا أخلاقيا صارخا في وقف المجازر، ويكشف نفاقا حقوقيا يجعل من النظام العالمي شريكا في الجريمة.
ففي الوقت الذي تتحرك فيه آليات العدالة الدولية ببطء شديد، يُترك الفلسطينيون لمصيرهم بين أنقاض المدن المدمرة. وفيما تطالب محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ “إجراءات فورية لمنع الإبادة”، لا تُتخذ أي خطوات عملية لتنفيذ ذلك القرار.
■ فواصل ختامية..
إن ما تبقى من سكان غزة، يعيش اليوم بين ركام الوطن والمجاعة والخذلان العالمي. وإن لم يتحرك العالم سريعا لفك الحصار وفرض وقف فوري لإطلاق النار، فإن الجوع وحده كفيل بإكمال ما بدأته آلة الحرب..
اليوم، الجوع يفتك بغزة كما فتكت بها القنابل. وغدا، حين يُكتب تاريخ هذه الإبادة، ستُسجل أسماء الجميع: القاتل والمُتواطئ والصامت والخاذل..
لن يرحمهم دم الأطفال ولا صرخات الأمهات ولا أعين الجياع.
غزة لم تمت، ولن تموت، لكنها تفضح أمام العالم كله قبحه، وخراب ضميره..
غزة لا تطلب الشفقة، ولا تبكي من أجل الخبز، بل تصرخ مطالبة بالعدالة والحرية.
كل صمت عن هذه الإبادة خيانة، وكل انتظار رحمة من نظام عالمي متواطئ هو وهم قاتل.
إما أن يتحرك العالم اليوم لوقف المجزرة وكسر الحصار، أو ليكن على استعداد ليُحاكم في ضمائر الأجيال القادمة كمتواطئ مع جريمة العصر..
في غزة، لا تُهزم الشعوب بالقنابل ولا تجوَّع الكرامة بالمجاعات.
من تحت الركام، من بين أنقاض المستشفيات، ومن بطون الأطفال الخاوية، ينهض شعب فلسطين، يُكمل معركة الصمود.
أما أنتم يا من بعتم الضمير بثمن بخس، فانتظروا لعنة التاريخ، ولعنة غزة، التي لا تنسى ولا تسامح.
حسبنا الله ونعم الوكيل .
#أوقفوا_الإبادة #GazaUnderAttack #Gaza #palestine