فواصل

وقف إطلاق النار على الورق.. واستمرار إبادة غزة تحت أنظار الوسطاء!

فواصل

وقف إطلاق النار على الورق.. واستمرار إبادة غزة تحت أنظار الوسطاء!

يُروَّج خلال الأسابيع الأخيرة لحديث متفائل عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. عناوين إعلامية مُطمئنة، تصريحاتٌ دبلوماسية محسوبة، ووعود بعودة الهدوء إلى القطاع المنكوب. غير أن الواقع على الأرض يكشف هشاشة كل هذه الادعاءات، ويؤكد أن “وقف الحرب” ليس سوى عبارة منمَّقة، وغطاء سياسي لإطالة أمد المأساة.

فالحرب لم تتوقف. القتل ما زال يمارس بأشكاله كافة؛ القصف، القنص، الحصار، والتهجير القسري. والعدوان يستكمل فصوله بالتجويع الشامل عبر منع دخول المواد الغذائية والأدوية والوقود، في خرق صارخ للقانون الدولي الإنساني. يكفي أن يُترك الأطفال بلا حليب والمرضى بلا دواء، لندرك حجم الخديعة التي يجري تسويقها في خطاب “التهدئة”.

الوسطاء.. شركاء صامتون أم أطراف مستفيدة؟

الوسطاء الذين قدّموا أنفسهم حَمَلة مفاتيح الحل، باتوا اليوم جزءا من المشكلة. فبدل الضغط الفعلي لإنفاذ الاتفاق، اكتفوا بلعب دور المراقب البارد، أو بالأحرى الشاهد الصامت على جريمة جماعية.

لقد تحوّل دور الوساطة – كما يبدو – من محاولة وقف العدوان إلى محاولة إدارة العدوان، أي ضبطه لا إنهاؤه. بياناتهم تبدو تقنية محايدة، تخلو من أي إدانة أخلاقية، وكأن المأساة مجرد خلل إداري بين طرفين متساويين في القوة والدمار.

والأسوأ أن بعض الوسطاء يقدّمون لأنفسهم رصيدا سياسيا على حساب دماء المدنيين، فيظهرون كـ”صنّاع سلام” بينما الحرب تُدار أمامهم بل داخل مربعات تفاوضهم.

غزة لا تحتاج وقف حرب مُعلّب.. بل وقفا حقيقيا للقتل

لم يعد مقبولا الحديث عن وقف إطلاق نار لا يشمل فتح المعابر، ولا يضمن وصول المساعدات، ولا يمنع قصف البيوت والمخيمات، ولا يفرض رقابة دولية مستقلة، ولا يضمن محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب.

“الاتفاق الحقيقي” هو الذي يوقف الموت، لا

الذي يغيّر صيغته.

إسرائيل.. استلمت كل الأسرى ثم واصلت الحرب!

وحتى حين تُطرح الحجج الواهية بذريعة “المفاوضات وتعقيداتها”، تأتي الوقائع لتفضح الرواية. فقد استلمت إسرائيل جميع أسراها وفق مراحل التسليم المعروفة، ومع ذلك لم تُنه الحرب، ولم تلتزم بالعهود ولا بالمواعيد، تماماً كما اعتادت في جولات سابقة من الصراع.

وإن كان من دليل قاطع على أن الهدنة ليست سوى كذبة سياسية، فهو هذا:

ذريعة الأسرى سقطت، لكن شهوة القتل لم تتوقف.

خلاصة القول

ما يجري في غزة اليوم درس قاس في كيفية إعادة تعريف الحرب من قبل القوى المتحكمة بالعالم: يمكن للحرب أن تستمر، شريطة أن توقَّع باسم “الهدنة”. ويمكن للدم أن يسيل، شريطة أن لا يصل صوت الضحايا إلى قاعات السياسة والإعلام.

وقف إطلاق النار الفعلي لم يبدأ، وما يُروّج ليس سوى هدنة على الورق، بينما على الأرض تُكتب حكاية أخرى: حكاية شعب يقاوم الإبادة، وسط عالم يُدير وجهه إلى الجهة الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى