لمحات من تاريخ الصحافة في المغرب – دراسة – ج2
الأحزاب المغربية.. مبادرات سياسية وإسهامات صحفية
حسن اليوسفي المغاري
الأحزاب المغربية.. مبادرات سياسية وإسهامات صحفية
أكد معظم الباحثين والدارسين للحياة السياسية المغربية، وخصوصا منها الظاهرة الحزبية، أن سنة 1934 كانت بمثابة الشرارة الأولى والانطلاقة الحاسمة لمؤسسة الأحزاب السياسية في المغرب. هذا دون إغفال مجموعة من التنظيمات الأخرى، اجتماعية ودينية كان لها أثرها الفعال داخل المنظومة المجتمعية المغربية طوال فترة الحماية التي فرضت يوم 30 مارس 1912، وخصوصا منها الزوايا والطوائف، إلى أن أعلن عن الاستقلال السياسي بتاريخ 2 مارس 1956، حيث تطور مفهوم المؤسسة الحزبية ذات التوجه السياسي.
المرحلة المراد تناولها من المشهد السياسي المغربي في علاقتها بالصحافة إبان عهد الحماية طويلة، وتستلزم دراسة تاريخية معمقة. وكيفما كانت الدراسة، نظنها لا تخرج عن مضمون تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب.
فقد كان للظهير البربري بتاريخ 16 مايو 1930 الشرارة الأولى لانطلاق عملية التفكير في الاجتماع داخل إطار منظم يمكن أن يطلق عليه اسم الحزب السياسي. وبذلك كان أهم حافز شجع آنذاك النخبة المغربية المتكونة من المثقفين، وهم الطلبة وفئة من البورجوازية الصغيرة، بحيث كانوا يشكلون آنذاك الحركة الوطنية، التي تمكنت من الالتفاف حول إطار واسع التحرك لمناهضة الظهير البربري.
استمدت هذه الحركة شرعيتها داخل المنظومة المجتمعية المغربية من خلال المكانة التي احتلتها داخل الحياة السياسية للبلاد، والتي كانت تحتم وجود من يعارض، بل ومن يدافع عن الحقوق الشرعية لكافة المغاربة. وبذلك كانت الروح الوطنية الصادقة المعبرة عن ضمير الشعب هي الانطلاقة والغاية في نفس الوقت من التكتل والاجتماع لمواجهة المستعمر.
إن الأحداث التي عرفها صيف مغرب 1930، والتي فجرتها هذه الفئة من الشباب، كان لها وقعها الإيجابي داخل نفوس المغاربة، وخصوصا عندما أفرزت تعاملا جديدا ومنطقا فكريا أكثر إيجابية في التعامل مع تلك الأحداث. المنطق الذي سيتطور فيما بعد ليعرف ظهور النمط السياسي الجديد بمفهومي الحزب والنقابة.
دور الصحافة
من خلال الجذور الأولى للمشهد السياسي المغربي، يتأكد الدور الريادي للصحافة الملازم لظهور ونشوء التنظيمات ذات الطابع السياسي، وذلك من أجل تمرير خطاباتها. فكان الهم الوحيد في الفترة الأولى تلك، هو توعية المواطن المغربي وتحذيره من مخاطر الاستعمار عن طريق مطبوعات كانت تأخذ شكل الصحيفة. من هنا يمكن القول بأن التنظيم السياسي المغربي آنذاك، والذي كان سريا قد وعى منذ بدايته أهمية الوسيلة الإعلامية، خصوصا الصحيفة في تحقيق التواصل بين حاملي مشعل التحرر ومختلف طبقات الشعب.
بدأت عملية إصدار الصحف التي يتم من خلالها إعلان المواقف، وبدأت في عملية تنوير الرأي العام الوطني وكشف مؤامرات المستعمر الفرنسي والإسباني. الأمر الذي سيظهر لنا جليا تلك العلاقة الحميمة بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الإعلامية، الحزب والجريدة التي كانت في بدايتها، والتي ستستمر حتى وقتنا الحاضر.
ومن أجل ذلك، كانت مجلة Maghreb الصادرة بباريس، هي المنبر الذي سمح لفئة من الشباب المتعلم بالجامعات الفرنسية بتوجيه خطابات ونداءات معبرين فيها عن آرائهم، ومدافعين عن وطنهم خصوصا بعد محاولة فرض الظهير البربري. صدر العدد الأول من هذه المجلة سنة 1932، وكانت معظم مقالاتها تنصبُّ أساسا في مواضيع: محاربة سياسة الظهير البربري، محاربة سياسة التعليم الفرنسي بالمغرب، مقاومة التبشير المسيحي ومقاومة ظلم الإدارة وسياستها التعسفية ضد المواطنين. أما داخل المغرب، فقد تكلفت مجموعة اخرى في مدينة فاس بإنشاء جريدة تحت اسمAction du Peuple، التي كانت أول جريدة وطنية تصدر بعد الحماية داخل المغرب.
صدر العدد الأول من Action du Peuple في 4 غشت 1933 وتوقفت عن الصدور بقرار المنع في شهر دجنبر من نفس السنة لتصبح بعد ذلك تحت اسم La volonté du Peuple. وكانت جرائد: الحياة والريف والحرية، ناطقة باسم حزب الإصلاح الوطني في الشمال، وجرائد: المغرب الجديد والوحدة المغربية، ثم منبر الشعب والشعب، لسان حال حزب الوحدة المغربية بتطوان. نخلص إلى ملاحظة ان العلاقة كانت وطيدة بين الصحيفة وبين التنظيم السياسي منذ الانطلاقة الأولى، وهذا سيتطور فيما بعد إلى علاقة أكثر عمقا.
علاقة الصحافة بالحزب السياسي
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند دراسة المشهد الإعلامي المغربي، هو ارتباطه الوثيق إما بالجهاز الحكومي-القطاع العمومي، المتمثل في الإذاعة والتلفزة وبعض الجرائد الحكومية، أو ببعض الأجهزة السياسية، خصوصا منها الأحزاب السياسية.
ومن ثم يكون الإعلام بصفة عامة خاضعا للجهاز الذي يكون تابعا له، وتلك التبعية تكون في عمقها مؤطرة بفكر معين وبسياسة لا تخلو من إيديولوجيات بعينها، وعليه، فإن دراسة الصحافة في المغرب ببعدها التاريخي، ذات صلة مباشرة بالظاهرة الحزبية، وبالتالي تكون هاته الدراسة أو تلك مقرونة بالفكر الحزبي السياسي الذي هو في الأصل المسيطر على السير العادي لأية صحيفة.
فمنذ بداية ظهور الأحزاب السياسية في المغرب، كانت الصحافة قد بدأت بدورها في الظهور، ولم نجد أي عنوان مستقل عن أي هيئة سياسية. ومرورا بجميع الأحزاب الأولى التي برزت كقوة سياسية لها فكرها وتوجهها، كانت الصحافة التي تصدرها هي المُعبّر الوحيد عن تلك الأفكار والتوجهات، بل وكانت هي المرآة التي تعكس وجه الأحزاب ولم تكن في أي يوم من الأيام خالية من الدعاية الحزبية ولو أن الهمّ الوحيد الذي كان وقتها هو تحرير المغرب.
وعند قراءة برنامج كتلة العمل الوطني التي برزت كأول تنظيم سياسي حزبي، فإن الملاحظ هو الكم الهائل من الجرائد والصحف التي كانت تصدر باسم الكتلة وباسم أفرادها بالمقارنة مع الوضعية السياسية التي كان يعيشها المغرب، سواء كان ذلك في مناطق الشمال الخاضعة للنفوذ الإسباني، أو تلك التي كانت تابعة للحماية الفرنسية.
كانت مجموعة من الجرائد الأسبوعية: عمل الشعب، إرادة الشعب، الأطلس، العمل، الحياة، المغرب الجديد، الريف، خير لسان معبر عن الحركة الوطنية، بل وخير مناهض للمستعمر. فكانت بالطبع قرارات المنع والحجز وعدم الترخيص، أمر ساري المفعول، لكنه لم يحبط من عمل الكتلة ولم يحبط من العملية التواصلية.
فكانت أول حقبة ظهرت فيها الصحافة في المغرب ترجع لسنوات 1820 إلى غاية 1912 ميلادية، السنوات التي أصبح فيها المغرب مقسما إلى عدة مناطق حسب النفوذ الاستعماري. وبذلك كانت الصحافة مقسمة بين المستعمر الإسباني في الشمال وأقصى الجنوب، بينما كانت الصحافة الفرنسية تحتل وسط المغرب.
إن التاريخ المغربي على العموم لا يذكر تفصيلا عن المحاولات الأولى لظهور الصحافة المغربية، وإنما نجد فقط صدور بعض المنشورات الأجنبية من قبيلDIARO DE TANGER التي صدرت بمدينة طنجة عام 1834 ميلادية، ثم جريدة EL ECO DE TETUAN التي صدرت بمدينة تطوان سنة 1860 ميلادية. لتكون المراحل على الشكل التالي:
*المرحلة التاريخية الرابطة بين سنة 1820 إلى سنة 1912، والتي عرفت بالمرحلة الأولى لظهور الصحافة في المغرب.
*المرحلة الممتدة من سنة 1912 إلى غاية 1936، وهي التي عرفت بمرحلة الحماية ومقاومة المستعمر.
*مرحلة الصحافة الوطنية التابعة للحركة الوطنية وكتلة العمل الوطني، سواء في الشمال أو في الوسط، وهي فترات 1936 إلى غاية 1955.
*مرحلة الاستقلال السياسي والطفرة النوعية في المجال الصحفي بداية من سنة 1956.