أخبار وتقاريراقتصاد

واقع الوضع الاقتصادي في المغرب..تراجع معدل النمو وارتفاع نسبة التضخم

شهد الاقتصاد المغربي تطورات كبيرة على مدار العقدين الماضيين، حيث مر بتحولات هيكلية تأثرت بالعوامل الداخلية والخارجية على حد سواء. تلعب المندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي أدوارًا هامة في تقييم ومتابعة الأداء الاقتصادي للمملكة، مما يوفر لنا بيانات رسمية يمكن من خلالها تحليل الأوضاع الراهنة واستشراف المستقبل.

النمو الاقتصادي والتحديات الاجتماعية

وفقًا لتقارير المندوبية السامية للتخطيط (HCP)، تراجع معدل النمو الاقتصادي في المغرب خلال عام 2023 ليصل إلى 1.5% بعد أن كان قد حقق نسبًا أعلى في السنوات السابقة، ويُعزى هذا التباطؤ إلى عدة عوامل منها: آثار الجفاف التي أثرت على القطاع الزراعي، إضافة إلى تبعات أزمة كوفيد-19 وتباطؤ التجارة الدولية.

القطاع الزراعي يشكل حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي المغربي، لكنه يعاني من تقلبات مناخية كبيرة. رغم التوجه نحو تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الزراعة، إلا أن السياسات الحكومية ما زالت تستهدف تحسين الإنتاجية الزراعية عبر مشاريع الري وتحسين البنية التحتية الزراعية.

في المقابل، أدى ارتفاع التضخم إلى زيادة الضغوط الاجتماعية. ففي عام 2023، ارتفع معدل التضخم إلى 5.6% متأثرًا بزيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة. ما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة، وهو ما يتضح من خلال ارتفاع معدلات الفقر النسبي في المناطق القروية التي سجلت حوالي 17.7% مقابل 10.6% في المدن.

سوق الشغل والبطالة

بلغ معدل البطالة في المغرب حوالي 12.3% في عام 2023، مع ارتفاع هذا المعدل بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا إلى 29.9%، وفقًا لبيانات المندوبية السامية للتخطيط. يترافق هذا مع ضعف مستويات التشغيل في القطاع غير المهيكل، الذي يمثل حوالي 20% من الاقتصاد المغربي.

تشير البيانات إلى أن القطاعات الخدمية مثل السياحة والاتصالات قد ساهمت في خلق فرص عمل، لكن هذه الفرص غالبًا ما تكون مؤقتة وغير مستقرة. ومن الجدير بالذكر أن برنامج “أوراش” الحكومي يهدف إلى خلق 250,000 فرصة عمل في القطاعات الموسمية وغير الرسمية، ولكنه يواجه تحديات فيما يخص الاستدامة.

الاستثمار والبنية التحتية

على صعيد آخر، شهد المغرب تقدمًا ملحوظًا في تطوير البنية التحتية بفضل الاستثمارات الضخمة في الطرق والموانئ والمطارات، خاصة ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح مركزًا رئيسيًا للتجارة البحرية في المنطقة. تلك الاستثمارات تُعزز من قدرة المغرب على جذب الاستثمارات الأجنبية، وخاصة في مجالات مثل صناعة السيارات والطاقة المتجددة.

وفقًا لتقارير البنك الدولي، تجاوزت ديون المغرب الخارجية حوالي 70 مليار دولار في 2023، مع ازدياد ملحوظ في القروض الممنوحة من قبل المؤسسات المالية الدولية لدعم مشاريع تنموية، خاصة في مجالات المياه والطاقة والبيئة. هذه القروض ضرورية لتعزيز البنية التحتية وتحقيق نمو مستدام، لكنها تضع ضغوطًا على الميزانية العامة.

السياسات الاقتصادية والمالية

رغم التحديات، تعمل الحكومة المغربية على تنفيذ سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز النمو والاستقرار المالي. من بين هذه السياسات، نجد الميثاق الجديد للاستثمار، الذي يهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية عبر تحفيزات ضريبية وجمركية.

من ناحية أخرى، تواجه الميزانية العامة تحديات كبيرة بسبب ارتفاع العجز المالي، الذي بلغ حوالي 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023. هذا العجز يُعزى إلى زيادة النفقات العمومية، خاصة في مجالات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، مقابل تباطؤ نمو الإيرادات الضريبية.

العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية

في إطار العلاقات المالية مع الخارج، يشكل التعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عنصرًا هامًا في تمويل المشاريع الكبرى. فقد منح البنك الدولي المغرب عدة قروض موجهة لتعزيز القطاع الزراعي، تحسين التعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى مواجهة تأثيرات التغير المناخي. بلغ إجمالي القروض الممنوحة خلال السنوات الخمس الأخيرة حوالي 4 مليارات دولار، مع التركيز على دعم التحول الرقمي وتطوير الاقتصاد الأخضر.

 

يواجه الاقتصاد المغربي تحديات كبيرة مرتبطة بالبطالة، التضخم، والمديونية، لكن هناك أيضًا فرصًا واعدة يمكن استثمارها، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، الصناعة، والسياحة. تعتبر السياسات الحكومية الحالية وجهود التعاون مع المؤسسات المالية الدولية أدوات أساسية لتعزيز النمو الاقتصادي، لكن يتطلب ذلك إدارة فعالة للديون وتعزيز الاستثمارات في القطاعات المنتجة والمستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى