فواصل

كل عام وأنتم بدون كمامة لا الكورونية ولا القانونية

ثقافة المقاطعة التي يريدون تكميمها..

حسن اليوسفي المغاري

 

كنت قد شاركت بتاريخ 02 ماي 2016 في المؤتمر المنظم بشراكة بين الاتحاد الدولي للصحفيين واليونسكو، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة؛ والذي حمل شعار: “الحصول على المعلومات والحريات الأساسية؛ من حقك أن تعرف!”
اليوم، نكون قد تحصّلنا على قانون “الحق في الحصول على المعلومات”، طبقا لما نصت عليه المادة الدستورية ولاسيما الفصل 27 منه الذي ينص على أنه “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”.. القانون الذي دخل حيز التنفيذ بشكل كلي ابتداء من 12 مارس 2020.
لا أريد، ونحن نحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة) 03 ماي(، أن أتطرق لتفاصيل بيروقراطية الحصول على المعلومة، والخاضعة لعدة إجراءات قد تكون لنا معشر الإعلاميين جدّ محبطة. لكن، وبما أن حرية الصحافة تعني أساسا حرية الرأي والتعبير، كما تقدمها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”، نجد أنفسنا في هذه الأيام أمام مشروع قانون أطلقوا عليه اسم “تقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح” تحت رقم 22.20.. مشروع تكميم الأفواه وتكميم حرية الرأي والتعبير..
مشروع يضرب في الصميم مبدأ حرية التعبير دون أن يعير أي اهتمام للنص الدستوري: “للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”، وهم الآن يريدون بمشروع قانون 22.20 أن يكون بمثابة النص المتحكم في المنع وفي تكميم الأفواه.
إننا بصدد الدفاع عن استقلالية الإعلام والحريات الأساسية، ولتحقيق ذلك وجب إعادة النظر في العديد من التعاملات إزاء المواطن والتي تكون حاطّة من كرامته كإنسان أولا؛ ثم كإنسان ثانيا وكإنسان ثالثا؛ هذا طبعا إذا كُنتُم تفهمون معنى الإنسانية والكرامة الإنسانية، بغض النظر عن المستوى الاجتماعي.
ما عشناه من حدث منذ سنتين، حيث أضحت إستراتيجية المقاطعة أبلغ احتجاج حضاري، وأبلغ ثورة تفاديا لكل أصناف القمع والاعتقال والمحاكمة، جعلت من في نفوسهم استعلاء على تفكير المواطن، التخطيط لإيقاف هذا الشكل الحضاري للاحتجاج.. إيقافه بالقانون طبعا.
كانت “المقاطعة” بمثابة سياسة المحاسبة المجتمعية للطبقة الاقتصادية والسياسية في نفس الآن، ولو أنها ظلت مستمرة بنفس الأسلوب الحضاري؛ دون حَراك على الميدان، ودون فسح المجال لمن يريد الآن، الاصطياد في الماء العكر، كانت ستخلف انعكاسات اقتصادية وسياسية سلبية أكيد، لكنها في نفس الوقت، ستكون ضربة موجعة سوف يُتعامل معها حتماً على أنها حركات اجتماعية لن ينفع معها القمع المسلّط؛ وإنما إعادة النظر في كثير من المعتقدات التي تقول بمبدأ “جوّع كلبك يتبعك”.
لكنهم بحثوا لها عن مخرج قانوني، أرادوه أن يكون عقابا لمن سوّلت له نفسه الانخراط في حملات مستقبلية لمقاطعة منتوجات أو خدمات ستعوذ لا محالة بالخسارة العظمى على أصحابها، وفضح لتصرفات سلطوية حاطة من كرامة المواطن، حيث الظلم والعسف الذي صار مفضوحا بواسطة وسائل التواصل المفتوحة.
كانت حينها إهانات للشعب، منهم من قال “المداويخ”، ومنهم من سوّلت له عرنسيته بوصفنا ب”الخونة”، ومنهم من قال إننا “جيعانين”، واليوم هاهم يتقاذفون مسؤولية إقرار قانون سيكمّم الأفواه حتى لا تكون وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، وسيلة مفتوحة لفضح تسلط السلطة وغطرسة اللوبيات الاقتصادية المتحكّمة ودكاكين السياسة المهترئة.
الوطن يا سادة كلّه لمواطني الوطن، وليس لجزء صغير من المواطنين الذين يعتبرون أنفسهم “خُدّاما للدولة”، وَيَا ليتهم كانوا كذلك بالمفهوم الصحيح للمسؤول الذي يكون “خادما” للشعب ومن ثمّ فهو خادمٌ لدولته، لكنهم خُدّامٌ لمصالحهم ومصالح من يحيطون بهم في دوائر القرار السياسي والاقتصادي.
@ كل عام وأنتم بدون كمامة، لا كورونية ولا قانونية.
الصورة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة: 02 ماي 2016 في المؤتمر المنظم بشراكة بين الاتحاد الدولي للصحفيين واليونسكو، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى