حسن اليوسفي المغاري
استراتيجية المغرب الرقمي 2030.. تحديات وعوائق مشروع واعد
يسعى المغرب، من خلال استراتيجيته الرقمية “المغرب 2030″، إلى تسريع التحول الرقمي في البلاد كجزء من خطة شاملة لتعزيز الاقتصاد الرقمي وتطوير الخدمات العمومية. ويعد هذا التحول ضروريا لمواكبة التغيرات السريعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيات الحديثة، حيث تمثل الرقمنة محركا أساسيا لتحديث الإدارة وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والشركات.
وتعتمد استراتيجية “المغرب 2030” على رقمنة الإدارة العمومية كأحد الركائز الأساسية لتسهيل الولوج إلى الخدمات العمومية وتقليل التكاليف وتحسين الفعالية، حيث تشكل الرقمنة أداة قوية لمكافحة البيروقراطية، وتعزيز الشفافية في المعاملات الحكومية، وبالتالي تقليل الفساد.
وتعمل العديد من المؤسسات الحكومية في المغرب على تطوير بوابات إلكترونية تتيح للمواطنين والمقاولات الوصول إلى خدمات متنوعة مثل الضرائب، والتصاريح الإدارية، والمعلومات القضائية. إلا أن هذا التحول لا يزال يواجه تحديات على مستوى التبني العام وتحديث البنية التحتية التقنية.
لكن مع توسع رقمنة الخدمات، يصبح الأمن السيبراني أحد أكبر التحديات، بحيث يعتبر ضمان حماية البيانات الشخصية والمؤسساتية على حد سواء، أمرًا حيويًا لنجاح التحول الرقمي.
والظاهر أن المغرب يدرك تماما أهمية هذا الجانب، حيث تم إنشاء مجموعة من التشريعات المتعلقة بحماية البيانات، أبرزها قانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وتأسيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية (CNDP).
وفي إطار استراتيجية “المغرب 2030″، يُنظر إلى الأمن السيبراني كأولوية وطنية، حيث يتم الاستثمار في تعزيز القدرات الوطنية في هذا المجال وتكوين الكفاءات المتخصصة، بالإضافة إلى التعاون مع الدول والشركات الرائدة لضمان تأمين الأنظمة الرقمية.
ويعتمد نجاح استراتيجية الرقمنة بشكل أساسي، على جودة الشبكة الرقمية. لا يزال المغرب يواجه تحديات في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بتحسين جودة الصبيب وتوسيع التغطية لتشمل المناطق القروية والنائية، إذ يُعد الاتصال السريع بالإنترنت عاملا أساسيا لتحقيق الاندماج الرقمي الكامل، حيث يسمح بالولوج إلى خدمات الصحة، والتعليم، والتجارة الإلكترونية.
ويعمل المغرب على تطوير البنية التحتية للاتصالات من خلال خطط لتوسيع شبكات الألياف البصرية وإطلاق تكنولوجيات مثل الجيل الخامس (5G)، إذ من شأن هذا التطور أن يعزز الابتكار ويزيد من القدرة التنافسية الرقمية للمغرب على الصعيد الدولي.
إلى جانب تحسين الخدمات الحكومية، تدعم الرقمنة قطاع الأعمال وتسهّل إنشاء شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا. وتهدف استراتيجية “المغرب 2030” إلى إنشاء بيئة رقمية جاذبة للاستثمار وتعزيز الابتكار المحلي.
وتلعب المبادرات مثل إنشاء مراكز الابتكار وحاضنات الأعمال، دورًا في دعم المقاولات الناشئة، خاصة تلك التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكشين.
الجدير بالذكر أن برنامج “المغرب الرقمي 2030” هو استراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز التحول الرقمي في المغرب وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية.
ويرتكز هذا البرنامج على مجموعة من المحاور الأساسية التي تسعى إلى تحديث الإدارة العمومية، تحسين البنية التحتية الرقمية، وتعزيز الابتكار التكنولوجي. فيما يلي أهم المحاور:
-
تحديث الإدارة العمومية من خلال الرقمنة
رقمنة الخدمات العمومية: توفير منصات رقمية للمواطنين والشركات لتسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية مثل الضرائب، الصحة، والتعليم.
الحد من البيروقراطية: تحسين الكفاءة الإدارية وتبسيط الإجراءات من خلال اعتماد التكنولوجيا الرقمية.
تعزيز الشفافية: تمكين المواطنين من متابعة الخدمات والإجراءات الحكومية بشكل أكثر شفافية عبر بوابات إلكترونية.
-
تطوير البنية التحتية الرقمية
تحسين جودة الإنترنت والصبيب: توسيع وتحديث شبكات الاتصالات لضمان توفير إنترنت عالي السرعة، بما في ذلك نشر شبكات الجيل الخامس (5G) وتوسيع الألياف البصرية.
توسيع التغطية الرقمية: توفير البنية التحتية للاتصالات في المناطق النائية والريفية لضمان الاندماج الرقمي الكامل.
تعزيز الربط الرقمي: تحسين الربط البيني بين المدن الكبرى والمراكز الاقتصادية لضمان انتقال سلس للمعلومات والخدمات.
-
تعزيز الأمن السيبراني
حماية البيانات الشخصية: تطوير إطار قانوني وتنظيمي لحماية المعطيات الشخصية وتعزيز الثقة في التعاملات الإلكترونية.
تعزيز القدرات الوطنية في مجال الأمن السيبراني: إنشاء مراكز متخصصة وتدريب الكفاءات لحماية الأنظمة الرقمية من الهجمات السيبرانية.
التعاون الدولي: تعزيز التعاون مع الدول المتقدمة في مجال الأمن السيبراني للاستفادة من الخبرات وتطوير الحلول الملائمة.
-
تعزيز الاقتصاد الرقمي
دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا: توفير حوافز وتسهيلات لإنشاء وتطوير شركات ناشئة تعمل في المجالات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي، البلوكشين، والتجارة الإلكترونية.
التحول الرقمي للمقاولات: دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في تبني التحول الرقمي من خلال تحسين كفاءتها واعتماد التكنولوجيا الحديثة.
تشجيع الاستثمار في الابتكار: توفير بيئة مناسبة للاستثمار في البحث والتطوير والابتكار في مجال التكنولوجيا الرقمية.
-
تعزيز المهارات الرقمية
تطوير الكفاءات الرقمية: الاستثمار في التعليم والتدريب لتأهيل الكفاءات الوطنية في مجال التكنولوجيا الرقمية.
إدماج التكنولوجيا في التعليم: تحديث المناهج التعليمية لتشمل المهارات الرقمية والتكنولوجيا الحديثة.
تمكين الشباب: دعم المبادرات الشبابية التي تسعى إلى تطوير حلول رقمية لمشاكل مجتمعية واقتصادية.
-
تحسين الخدمات الرقمية في القطاعات الاستراتيجية
الصحة الرقمية: تعزيز الرقمنة في قطاع الصحة عبر توفير ملفات طبية رقمية وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية عن بعد.
التعليم الرقمي: توفير منصات تعلم إلكترونية تساعد الطلاب على الوصول إلى المعرفة بشكل أكبر وتطوير مهاراتهم الرقمية.
العدل والإدارة القضائية: رقمنة الإجراءات القضائية وتحسين الوصول إلى العدالة من خلال حلول تقنية مبتكرة.
-
تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص
تشجيع التعاون بين القطاعين: دعم مشاريع مشتركة بين القطاعين العام والخاص لتطوير البنية التحتية الرقمية والخدمات المبتكرة.
تحفيز الاستثمارات: توفير بيئة قانونية وتنظيمية مواتية لجذب الاستثمارات المحلية والدولية في قطاع التكنولوجيا.
-
الاستدامة الرقمية
تحقيق تحول رقمي مستدام: العمل على ضمان أن الرقمنة تسهم في تحسين جودة الحياة وتحقيق التنمية المستدامة، مع مراعاة تأثيرها البيئي والاجتماعي.
الابتكار الأخضر: دعم حلول تكنولوجية تساهم في مواجهة التحديات البيئية، مثل توفير حلول الطاقة النظيفة والنقل الذكي.
-
الحوكمة الرقمية
إنشاء إطار مؤسساتي لإدارة الرقمنة: تحسين التنسيق بين المؤسسات الحكومية وتطوير هيئات متخصصة لتوجيه تنفيذ برنامج المغرب الرقمي 2030.
قياس وتقييم الأداء الرقمي: وضع مؤشرات لقياس التقدم المحرز في تنفيذ الاستراتيجية وتحديد الجوانب التي تحتاج إلى تحسين.
هذه المحاور تشكل أساس استراتيجية “المغرب الرقمي 2030″، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة المغرب في الاقتصاد الرقمي العالمي، وتحسين الخدمات العمومية، ورفع مستوى رفاهية المواطنين من خلال الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا الرقمية.
تعتبر استراتيجية “المغرب 2030” خطوة محورية نحو تحديث الإدارة وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر الرقمنة. ولعل نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على التغلب على التحديات الرئيسية المرتبطة بالأمن السيبراني، جودة الصبيب، وتطوير بنية تحتية رقمية متينة. لأجل ذلك، يعزز استثمار المغرب في هذه المجالات موقعه كمركز رقمي إقليمي ويضمن تحقيق تحول رقمي شامل ومستدام.