فواصل

اليوم العالمي لحقوق الإنسان .. حق يراد به باطل

حسن اليوسفي المغاري

اليوم العالمي لحقوق الإنسان .. حق يراد به باطل

 

يحتفي العالم في العاشر من دجنبر من كل عام باليوم الكوني لحقوق الإنسان.. الحقوق التي لا نرى ذكرا لها سوى في المواثيق الدولية المسطّرة، وفي الديباجات القانونية غير

حسن اليوسفي المغاري

المفعّلة لتبقى حبراَ على ورق، وليظل السؤال المركزي حول الكرامة والعدالة الاجتماعية وحرية الرأي والتعبير، من اكبر الأسئلة الحقوقية المعلّقة والتي تطرح بإلحاح، على المنتظم الدولي وعلى أنظمتنا العربية بالخصوص، في كل مناسبة حقوقية.

ليس صدفة أن يكون الاحتفاء لهذه السنة تحت شعار: “المساواة، الحد من التفاوتات والدفع قدما بإعمال حقوق الإنسان”، خصوصا وأن المادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص: “يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق…”، لتبقى “المساواة”، الكلمة السحرية التي تجمع بين الكرامة والحقوق، مجرد فزّاعة وعبارة فضفاضة في قاموس الحقوق الكونية، وذلك بالنظر إلى واقع الإنسان أمام تغوّل المنظمات الدولية والمؤسسات و”الكارتيلات” الاقتصادية الحاكمة المتحكّمة في رقاب العباد.. وهنا وجب التذكير إلى أن الإسلام كرّم بني آدم قبل المواثيق الدولية الوضعية بقرون: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” )الآية(، كما أن الصحابي عمر ابن الخطاب الملقب بالفاروق، في قولته المشهورة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟”، أكد على أن الكرامة الإنسانية المتجلية في إنسية الإنسان، أساس الهيش الحرّ الكريم، وبأن العدالة لا محيد عنها لاستتباب الأمن والعيش الكريم.

يهدف اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذه السنة، تعزيز المساواة في الكرامة والقيمة لمل شخص، كما يهدف معالجة كافة أشكال التمييز في المجتمع، مع إحياء كرامة الملايين ووضع الساس لعالم أكثر عدلا، هذا إلى جانب الدفاع عن حقوق الأفراد أينما وُجدوا…

لنركز جيدا على العبارات والمصطلحات المستعملة، شعارات ألفنا سماعها من مسيري المنتظم الدولي بجميع هيئاته الأممية، شعارات تلوكها مجالس حقوق الإنسان الرسمية دوليا ووطنيا، شعارات تتكسّر امام الواقع المتردي للحقوق في معظم مجتمعات دول العالم غير المؤهلة لتكون إنسانية، بالمفهوم الكوني لحقوق الإنسان، وذلك بما تعرفه من فقر وتجويع وتفشي للأمراض وإذكاء لحروب أهلية طاحنة وقاتلة.. الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول صدقية المجتمع الدولي حينما يتحدث عن الحقوق “الـكـونـيـة” !

وبالرجوع إلى واقعنا الحقوقي المغربي، فما نحن ببعيدين عن تلك الشعارات الحقوقية الجوفاء التي تصدح بها الدولة امام المنتظم الدولي امام ما نشاهده من خروقات حقوقية قانونية في شتى محطات التعبير عن الرأي، ومحطات النضال الحقوقي ومحطات المطالبة بالحرية وبالعيش الكريم والعدالة الاجتماعية.

فقد اشتد الوضع الحقوقي بمزيد من قمع للحريات، الأمر الذي بات مألوفا مع كل تظاهرة أو وقفة تعبيرية حقوقية احتجاجية معبرة عن موقف أو عن رأي معارض. وهو ما لاحظناه، بل وعايشناه عن قرب، سواء تعلق الأمر بوقفات الأساتذة المتعاقدين، أو بالأطر الصحية، أو الدكاترة المعطلين او الأساتذة الدكاترة، أو الوقفات التعبيرية الاحتجاجية الرافضة لإجبارية التلقيح وفرض جواز التطعيم، او تلك ذات الصلة بالعدالة الاجتماعية والعيش الكريم والمطالبة بـ”المساواة”.. الشعار الذي يرفعه هذه السنة المنتظم الدولي الحقوقي.

كما اشتد الوضع الحقوقي بالمتابعات القضائية وبالتشهير المقصود باستخدام وسائل إعلام غير مهنية تابعة لجهات استخباراتية داخلية، في حق حقوقيين ومدوّنين معارضين ينشطون على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بل وصحافيين يعتبرهم النظام السياسي مارقين خارجين عن التوجه العام الذي تريده الدولة، فضلا عن محاصرة وإعاقة عمل بعض الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان )الجمعية المغربية لحقوق الإنسان(، واستمرار حظر عمل “جماعة العدل والإحسان” بتشميع بيوتات بعض أعضائها النشيطين، وتوقيف بعض أطرها من مراكز المسؤولية..

وسبق “للجمعية المغربية لحقوق الإنسان” أن عبرت عن قلقها وشجبها لقرارات المنع والتضييق التي تطال جميع أنشطتها الحقوقية، كما أن سجل “العدل والإحسان” حافل بالخروقات الحقوقية والقانونية التي لحقتها والتي سجلتها ودونتها الجماعة مع لجنتها الحقوقية.

ولعل الظاهرة الجديدة على مجال حقوق الإنسان والتي باتت ملجأ الأجهزة الاستخباراتية للإيقاع بمن تراه خارج الإطار، ومن اجل تبسيط مسطرة المتابعة القضائية، تحضير المتابعات بتهم جنسية والخيانة الزوجية بتوليفة تُهم من قبيل التآمر على البلاد والتشهير بمؤسسات الدولة أو إهانة موظفين عموميين… التّهم التي صارت جاهزة لتسهيل مأمورية إصدار أحكام ثقيلة وسالبة للحرية..

صارت الانتقادات الموجهة للسلطات وللأجهزة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، محط بحث وتنقيب لأجل تقديم الشكاوى والمتابعة القضائية في خرق سافر لمبدأ حقوق الإنسان والحق في الرأي والتعبير، وباتت التهم السالفة الذكر جاهزة في أي وقت وحين، بل وبتحضير صور وتسجيلات صوتية ومرئية عليها اكثر من علامة استفهام ! ولعل لائحة التهم المتابع بها حاليا الأستاذ النقيب محمد زيان من هيأة الرباط المتضمنة لـ 11 تهمة مسطّرة، وقبله العديد من الحقوقيين والصحافيين، دليل على وجود مهازل حقوقية.

يبقى التساؤل المطروح ونحن نحتفي بيوم حقوق الإنسان الكوني، ما الدور الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، امام العديد من الخروقات التي نعاينها في كل محطة تعبيرية نضالية حقوقية، تلك التي تصفها المؤسسات الرسمية كونها “ادعاءات انتهاك حقوق الإنسان”.

إنه اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. الحق الذي يراد به الباطل، الحق المُغيّب على أرض الواقع، الحاضر في الشعارات والخطابات الرسمية ليس إلاّ.
كل عام ونحن حقوقيون بالحق وليس بالباطل.
مع أصدق التحايا والمودة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى